الاثنين، يناير 18، 2010

دولة النور الإلهي





*** دولـةُ الــــنُور الإلــهي ***







قال الجواد (عليه السلام): نعمة لا تُشكر، كسيئة لا تُغفر...


السيد : يـــوسف العامــلي










بسم الله الرحمان الرحيم






والصلاة والسلام على أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين
 


لم يكن شعار لا شرقية ولا غربية الذي اتخذته الثورة الخمينية الشعبية الحديثة في الجمهورية الإسلامية ، شعارا من أجل الاستهلاك الإعلامي أو الحماس الشعبي، لقد جاء هذا الشعار ليفتح صفحة وجودية مشرقة للوجود الإنساني على وجه البسيطة ، فبعدما كانت شريعة موسى عليه السلام غربية ، وشريعة عيسى عليه السلام شرقية ، جاءت رسالة خاتم المرسلين محمد بن عبد الله العربي صلى الله عليه واله وسلم لا شرقية ولا غربية ، فما المقصود بالغربية في شريعة موسى عليه السلام؟ والشرقية في شريعة عيسى عليه السلام ؟ وما وجه الاختلاف في شريعة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم التي جاءت لا شرقية ولا غربية ؟






يقول سبحانه وتعالى (( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه وأتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون )) [ الأعراف : 157 ]






ما معنى النور ؟ وماهو هذا النور الذي أنزل مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟ واين يتجلى النور في حياتنا؟






جاء في حديث نبوي شريف (( موسى عينه اليمنى عمياء وأخي عيسى عينه اليسرى عمياء واًنا ذو العينين )).






قد يعتقد الكثير من العامة أن هذا الحديث فيه ولربما استخفاف بمقام الرسولين الأعظمين موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ، غير أن الحقيقة المستخلصة من كل ذلك كون موسى عليه السلام رسول من أولي العزم كان دوره الوجودي هو إظهار الحقائق الإلهية في عالم الظاهر الأرضي بما يناسب الحضرة الإلهية والأدب الإلهي المتوجه إلى حفظ مقام العبودية في الكثرة ، لهذا نجد موسى عليه السلام في قصته مع العبد الصالح الخضر عليه السلام يحافظ على الأدب الإلهي في كل ما جرى معه مع الخضر عليه السلام الذي كان حاضرا في الحضرة وموسى متأدبا فيها، والكل في الأمر الإلهي يراه من جهته ومن جهة علمه به، كما أن نبي الله عيسى عليه السلام الذي كان مشرقيا في توجهه إلى رب الأرباب كان يحمل أسرار الروح العظمى في قوله ((وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ )) ( النساء : 171 ).


فالروح والمادة وجهان يقومان حياة البشر على البسيطة، فإذا كانت شريعة موسى عليه السلام قريبة من المادة فلأنها كانت تريد إظهار الحقائق الإلهية في عالم الظاهر الأرضي ، كما أن خوارق عيسى عليه السلام الروحية جاءت لتبين حقائق الروح العظمى وأن للإنسان جنبة إلهية غيبية في العالم اللآمرئي والغيبي .


((وأنا ذو العينين )) ، إن قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هذا، يدل على معاني سامية في الرؤية الكونية الوجودية الفطرية، ذلك أن بعثته عليه السلام جاءت مهيمنة على كل الشرائع السماوية ومبينة أهدافها الإلهية ومسيطرة على كل معانيها في شريعة شاملة تمنح للإنسان المؤمن بها السلام الكوني والوجودي في وجوده القائم بالله وعلى الله ، ( إن الدين عند الله الاسلام ) . فموسى عليه السلام يرى الكثرة ويرى فيها علم الله وكينونته وأحكامه ، وعيسى عليه السلام يرى الوحدة والملكوت والجنبة الإلهية الروحانية ويرى في ذلك وجودا روحانيا خاصا غيبيا للإنسان الأرضي ، والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يرى الكل ولا تحجبه الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرة ، لأنه يرى بالعينين معا ،عين الوحدة وعين الكثرة فهو ذو العينين،(( لا شرقية ولا غربية )).


في منهاج التحقق الإلهي نجد أن مولانا الحسين عليه السلام هو الإنسان الأزلي القريب من الغيب الإلهي، من جهته الأزلية، يقول العارف محي الدين بن العربي رض واصفا مولانا الحسين عليه السلام (....والصلاة والسلام وعلى النور المتوحد بالهمة العلياء المتوسد بالشهود والرضا مركز عالم الوجود سر الواجد والموجود شخص العرفان وعين العيان نور الله وسره الأتم المتحقق بالكمال الأعظم ونقطة دائرة الأزل والأبد المتشخص بألف الأحد فاتحة مصحف الشهادة والي ولاية السيادة الأحدية الجمع الوجودي والحقيقة الكلية الشهودي كهف الإمامة وصاحب العلامة كفيل الدين الوارث بخصوصيات سيد المرسلين والخارج عن محيط الاين وللوجود إنسان العين ومضمون الإبداع مذوق الأذواق ومشوق الأشواق مطلب المحبين ومقصد العشاق المقدس عن الشين أبي عبد الله الحسين عليه السلام) .


الحسين عليه السلام هو نقطة دائرة الأزل والأبد فماذا يعني ذلك ؟


أعجز الحسين عليه السلام في واقعة الطف الخلق كله، فهذه التضحية التي قدمها لرب العالمين في نفسه وأهله تحير العقول وتتركها متسائلة عن أغوار وأسرار هذا الرجل الإلهي الفاني في العهد الإلهي الغابر في الزمن الأول . ونجد في الإتجاه الآخر مولانا الإمام المهدي عليه السلام يمثل الإنسان الأبدي القريب من الغيب الإلهي من جهته الأبدية، حيث يعجز الخلق تصور إنسان يعيش أكثر من النبي نوح عليه السلام وهو باق في الخلق يراهم وهم لا يرونه ، وبين أبدية الأباد وأزلية الآزال توجد الروح الحية لعيسى عليه السلام ،فانتهاء الزمن ليس بالضرورة انتهاء الإنسان ودوره الوجودي، فهناك مقامات ودرجات خارج طور الزمن سوف يرقى لها الإنسان في زمن ظهور كلمة الله الباقية مولانا المهدي عليه السلام ، وهذا الطور يناسب الطور الآدمي بعدما يكون قد حمل الأمانة وعانى في حملها الكثير يأتي الطور الآدمي النوراني المهدوي ليخرج من أراد الخروج إلى روح الأرواح ونور الأنوار . فالإنسان الآدمي خبر الروح وخبر معها المادة فأصل الروح والمادة هو النور وهكذا سوف نحيى في هذا الأصل في دولة المهدي عليه السلام لأنها تعتبر دولة الأسرار الإلهية الكبرى وأعظم سر في وجودنا هو النور.






العبادة الواعية هي الشفاعة التي تشفع لنا لندخل في أصل كل كينونة ووعي وإدراك ألا وهو النور الالهي .


كيف نكون في العبادة الواعية و المدركة؟


العبادة الواعية والمدركة هي معرفة النفس التي بها معرفة الله ، ففي معرفة النفس تتجلى عظمة الخالق في باطن كل فرد عابد فيصير بها عبدا بعدما كان عابدا، الكثير من العباد التزموا بظاهر الشريعة وطبقوه في عباداتهم لكن هل استطاعوا بتطبيقهم لهذا الظاهر وحده الارتقاء إلى معرفة الصانع الذي يصف نفسه في سورة الحديد بقوله : ((هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)).؟ وفي سورة التوحيد (( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفؤا أحدا)).


فعلى مستوى النفس الانسانية يعجز العقل تصور كيف تشتغل مليون خلية بيولوجية في تناسق تام وفي نظام يعجز العقل البشري تخيله داخل جسم الانسان البيولوجي، كما أن الإنسان الحالم يرى في مناماته أحلاما يظن أنها بالساعات غير أن الواقع التجريبي ، أكد أن هذه المنامات التي ترى وكأنها بالساعات ما هي إلا أجزاء من الثانية.


ألا يجعلنا هذا نطرح سؤالا وجيها ألا يستحق هذا الخالق المبدع أن يعرف؟


وكيف تتم هذه المعرفة؟


معرفة الله لا تتم إلا بمعرفة النفس ومعرفة النفس لا تتم إلا بمنهاج سليم فطري يوافق صنع الله فينا ، فمثلا الإنسان الغربي يأكل الفطريات ويتلذذ بها كثيرا وإذا ما سألته لماذا تأكل هذه الفطريات وهي طفيليات تخرج على الأرض والله سبحانه يكرمك أيها الانسان ؟ يجيبك ببداهة سريعة إنه نبات وهو لذيذ وأكد الناس على صحته؟


في منهج أهل البيت عليهم السلام نجد أن الانسان عليه أن لا يأكل الفطريات والكثير من الأمور التي لا علاقة لها بالكرامة الانسانية فهذه الفطريات مثلا إذا ما أصيب بها جسد الانسان تجده أصبح يكره هذا الجسد فهو لن يقول وهي على جسده انه فطري غير قاتل كما يقول على الفطري النباتي أنه غير قاتل واستطيع أكله ، هنا نجد الإنسان مكرم من طرف الله سبحانه وتعالى فكيف لهذا المخلوق المكرم أن يعرف من كرمه وجعله في هذا المقام السيادي على جميع المخلوقات؟


لمعرفة من كرمك أيها الإنسان عليك ان تعرف أهل البيت عليهم السلام فبدونهم لا كرامة ولا معرفة ولا أي شيء .


أهل البيت عليهم السلام الأربعة عشر هم إرادة إلهية تتحقق فيهم مشيئته الكبرى في الخلق والأمر . وبهم يعرف الله وبهم يعبد وبهم يتم السلوك الحقيقي إلى الباري عز وجل ، فبدلا من إنكار هذا حاول أن تقرأ سيرتهم وعلومهم ومعارفهم لترى بنفسك في نفسك أن التاريخ الديني ظلمهم وتستبصر الحقيقة التي غيبت عنك ظلما وزورا .


لكي تعرف دين الله عليك أن تخرج من دين الناس ؟ وهذا يستحيل بطبع يعيش في الاعتباطية والعادة التي تميت القلب فتجعله آلة متحركة بدلا من نفس جوهرية تريد أن تسمو وتعرف وتدرك وتعي . فدين الله هو دين ارتضاه لنا عبر وسائط الهيون فعندما تنكر الوساطة بين العبد والمولى بدعوى الاشراك مع الله فأنت تمارسها فعليا لأنك تدين بدين الناس وهم كذلك واسطة من حيث تظن أنك تعبده هو ، لكن هذا قد لا يتراءى لك وأنت منغمس في عبادة الناس لله لأنك تدين بدين الكثرة والكثرة دائما تطمئن بما هو موجود بكثرة فتبقى في دين الناس ولا تعرف دين الله الحق، لذا جاءت شريعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بمنهاج معرفة النفس حيث قال (( من عرف نفسه عرف ربه )). وقال أيضا (( العبودية جوهرة كنهها الربوبية )) .


ماهي العبودية ؟


الكثير من المتكبرين يرون العبودية ذلا لهذا تراهم لا يصلون بدعاوي شتى فالبعض منهم يقول عندي علاقة خاصة مع خالقي وهي حريتي وأنت يجب عليك ألا تتدخل فيها ولهذا فانت تراني لا أصلي ولا أصوم فهو من سوف يحاسبني ... نعم كلام صحيح في ظاهره لكن وهو كذلك يحمل جحود وجودي كبير فهذا الشخص غلبته نفسه الأمارة فجعلته يقول هذا الكلام وهذا نوع من المعرفة أيضا لكنها معرفة ساذجة ، فلكي تعرف الرحيم والرحمان والجبار والمتكبر عليك أن تصلي له كما هو أمرك لا كما أنت تحب أن تعبده ،فعلى هذا الأساس فالخلق كله عابد لأن مشيئته الكبرى هي ما أنت عليه في كل حالاتك الوجودية .


بالعبودية الخالصة وحدها يستطيع الانسان العابد أن يصير عبدا وبها تتم معرفة النفس والرب ويتخلص الانسان من وهمه وزعمه وحوله وينصهر في إرادة جامعة كاملة إلهية تريد به العروج في كل الأنوار والكرامات والدرجات.


بالعبودية المشفعة بالانسان الكامل الإلهي صار البسطامي يقول (( سبحاني سبحاني ما أعظم شأني )) كلام سوف يراه من هو في دين الناس كفر لأن البسطامي أصبح يشارك الخالق في التنزيه والشأنية . لكن هل البسطامي من نطق بهذه الحقيقة هذا الذي يمشي على رجلين ويأكل بين الناس أم أن الناطق بها هو الانسان الكامل الإلهي حيث انصهر فيه البسطامي فرأى من آياته الكبرى فصار قائلا بقوله(( سبحاني سبحاني ما أعظم شاني)) .


دولة الانسان الكامل


دولة المهدي المنتظرة والمرتقبة في المشيئة الإلهية الكبرى هي دولة الانسان الكامل الإلهي الذي سوف يرى بعده الوجودي الكامل فيها فهي دولة الأسرار والحقائق الحقة الإلهية ، فبعدما جاءت الشرائع السماوية متتالية على بني البشر ، ابتداءا من آدم عليه السلام إلى خاتم الرسل النبي العربي الهاشمي صلوات رب العزة عليه وعلى آله في مسيرة تاريخية مليئة بالحيرة والصراع والجهل ، تأتي دولة المهدي الانسان الكامل في آخر الزمان لتفتح كل الأفاق الوجودية وتوسع وجود الإنسان وتجعله كوني وجودي بعدما كان أرضيا مليئا بالجهل والحيرة المحاطة بالوهم المعاشي.


نعيش اليوم بدخولنا في سنة 1430 ه ،11 قرنا بالتمام والكمال، على غياب مولانا المهدي بن الحسن العسكري صلوات رب العزة عليهما الغائب في سنة 329ه .


أجمع علماء الذرة والطبيعة والفيزياء جميعا أن القرن الذي نعيش فيه يستحيل أن يكون بلا روح، ذلك أنهم وجدوا للمادة نهاية في أبحاثهم العلمية والعملية.


العالم والأرض أصبح قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا والاتصالات وهذا التقدم العلمي البشري هو مقدمة لمعرفة أبعاد الإنسان الكونية.


فالبشرية الإنسانية استهلكت جميع أطوار المادة وخصوصا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وبعد غزو الفضاء والذرة وكشف بعض أسرار الطبيعة.


كل هذه المقدمات تجعلني أزعم بكل فخر واعتزاز وأقول أن الإنسانية سوف تعيش طورا وجوديا أكثر وعيا وعلوا وشرفا وإدراكا لماهيتها الوجودية على أرض البلاء البشرية.


فالبشر الآدمي النوراني هو المخلوق الذي ابتدأت به جميع الأكوان والوجودات وبه سوف يختم جميع عوالم الوجود ، مصداقا لقوله سبحانه.((قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ )) الأعراف 29


وبين البدء والختم يوجد الإنسان الكامل الواعي والمدرك. (( إنا لله وإنا إليه راجعون)).


دولة الحكم العدل


جاء في مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية للإمام الخميني: أنه سبحانه لما عين الأعيان الثابتة الحاملة لأسمائه الحسنى تنازعت فيما بينها فكان خلافها حول الدور المنوط بها في تعيناتها، فالتجأت إليه سبحانه وتعالى أي إلى موجدها وأصلها الإلهي طالبة منه أن يجعل لها حكما عدلا تحتكم إليه حتى تستطيع تأدية دورها الوجودي الإلهي الموجودة من أجله.فتنازع المدارس الفكرية الظاهرية والباطنية والوجودية والتاريخية اليوم هو نفسه ذلك التنازع الذي كان في التعينات الإلهية الأولى في أسمائه، فكثرة المدارس الوجودية اليوم يجعل الباحث عن الحقيقة الدينية والإنسانية في حيرة من أمره، فالإسماعيلي وجد أن الباطن هو الأصل وأنه هو كل الحقيقة وما الظاهر إلا التابع، والزيدي يجد أن مسألة عدالة الصحابة لا نزاع فيها مع السنة، والسني يرى أن أصول الدين ثلاثة وهي التوحيد، والنبوة، والميعاد، كما أن أصوله الكلامية فيها إختلاف كبير مع كل المناهج فهو يميل إلى الجبر في فعله حتى وإن لم يعتقد به صراحة في فكره، وذلك ناتج عن خلل في الاعتقاد النظري لديه، كما يوجد في نفس الاتجاه اختلافا عميقا بين جميع النحل والملل الموجودة في ديانات العالم فالهندوسي مثلا يرى أن كل شيء هو براهما أي كل شيء حق، والبوذي يرى نفسه متحدا مع كل العالم في النيرفانا فيجد نفسه عابدا لله بذلك الإتحاد عبر رياضات روحية خطيرة، والدرزي يجد أن العقل المدرك هو كل شيء، والزرادشتي يجد أن العالم يتقاسمه إلهان متفقان في كل شيء واحد إله الشر والآخر إله الخير وهما شيء واحد في الأصل. والمسيحي يعتقد أن إلهه ينقسم إلى ثلاثة أقانيم روح القدس، الأب، والابن، واليهود يجدون أن يهوه هو الإله الذي يمكنهم أن يفهموا أحسن منه.


إن هذا الصراع الفكري الخطير والمفارق يجعل من الكائن الإنساني، كائنا مليئا بالتناقضات الموضوعية فهل سوف يحسم هذا الصراع الخطير القائم في مملكة الإنسان الباطنية والظاهرية ليخلص إلى هوية إلهية تمكن هذا الكائن الإلهي إلى معرفة أبعاده الوجودية؟ سؤال يصعب الإجابة عليه ما دام الكل يدعي الحقيقة لنفسه ويجدها الوحيدة لبقائه.


إن دور مولانا الإمام المهدي عليه السلام في ظل كل هذه الصراعات الفكرية والتصورية والذهنية هو الحكم بين كل هذه الاتجاهات والعدل فيما بينها فيكون هو بمنزلة إسم الله الأعظم (الحكم العدل)، فترجع الدائرة الوجودية من حيث بدأت لتطلق كل أسرارها في كل الآفاق وفي كل الأنفس لتظهر الإبداع الإلهي في أحسن تقويم إلهي، مصداقا للحديث القدسي (كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف) فيكون هذا الظهور المتجلي في قلب مولانا المهدي الخاتم للولاية التكوينية، بمثابة تمامية الظهور الإلهي لكل النفوس وفي جميع الآفاق.




دولة أهل البيت عليهم السلام


سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن سلمان فقال :


(( إمرء منا وإلينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ، علم العلم الأول والعلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر ، وكان بحراً لا ينزف . ! )) الأعلام للزركلي م 3 / 169.


في دولة المنتظر سيكون كل من فيها سلمان الفارسي ،لأن العقول سوف تكبر فيها ، وتنتهي في إدركاتها إلى الزمن الأول ، فبقدر التوسع الزمني يكون الانسان حكيما ، ذلك أن عقل الانسان العاقل يكبر كلما توسعت رؤيته الكونية والوجودية والنورانية. في هذه الدولة بالذات سوف يجتمع الزمني الكوني كله في المهدي عليه السلام وأصحابه عليهم السلام بالخصوص فبعدما كان الزمان بعدا وجوديا إدراكيا خارجيا حركيا يصير في هذه الذوات المطهرة حكمة سرمدية تتحكم في الزمان والمكان بعدما استبطنت في أعماقها سر الولاية التكوينية التي بها يستطاع كل شيء بإذن الله، لذا أنصح أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بأن يوسعوا رؤيتهم الكونية والزمنية بقراءتهم لدعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه السلام (( .... وَالْماسِكِ مِنْ أَسْبابِكَ بِحَبْلِ الشَّرَفِ الأَطْوَلِ، وَالنَّاصِعِ الْحَسَبِ فِي ذِرْوَةِ الْكاهِلِ الأَعْبَلِ، وَالثَّابِتِ الْقَدَمِ عَلى زَحالِيفِها فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ، وَعَلى آلِهِ الأَخْيار ِالْمُصْطَفَيْنَ الأَبْرار،ِ...)).


فالدعاء في مدرسة أهل البيت عليهم السلام بلسانهم وكلماتهم هو القرآن الصاعد ، لذا وجب على أتباع هذه المدرسة العظيمة أن يتفطنوا إلى هذا التراث ويهتموا به ليكونوا فيه فاهمين عالمين ، فمتابعة هذا التراث المطهر من رجس الأوهام والضلالات هو من سوف يمنحك أيها الموالي الاتصال بذواتهم المطهرة فتصبح سلمان فعلا ونية وقولا وعملا وسرا.




دولة بسم الله الرحمان الرحيم


يقول الإمام علي عليه السلام .(( إذا نفد عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم يكون أوان ولادة المهدي)) .


تأتي ولادة المهدي عليه السلام بعد نفود عدد حروف البسملة التسعة عشر وهذا يوافق تمامية الخلق الإلهي لتبدأ مرحلة الهداية الكبرى له في قوله تعالى ((قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) طه آية ( 50 ) . ، فظهور مولانا المهدي عليه السلام على أرض البلاء البشرية هو في الشأن الإلهي العظيم يمثل مرحلة الهداية الكبرى للخلق الإلهي في مسيرته الفنائية الإبداعية إلى رب الأرباب جميعا.


.يقول محي الدين بن العربي -رض- في وصف أمير المؤمنين عليه السلام ((...وعلى سر الأسرار ومشرق الأنوار المهندس في الغيوب اللاهوتية والسياح في الفيافي الجبروتية المصور للهيولي الملكوتية والوالي للولاية الناسوتية أنموذج الواقع وشخص الإطلاق المنطبع في مرايا الأنفس والأمانة الإلهية ومادة العلوم الغير المتناهية الظاهر بالبرهان والباطن بالقدرة والشأن فاتحة مصحف الوجود بسملة كتاب الموجود حقيقة نقطة البائية المتحقق بالمراتب الإنسانية حيدر آجام الإبداع الكرار في معارك الاختراع النير الجلي والنجم الثاقب إمام الأئمة علي بن أبي طالب عليه السلام )).


في دولة مشرق الأنوار المهندس في الغيوب اللآهوتية علي بن أبي طالب عليه السلام نكون في فتح وجودي في قوله تعالى في سورة الحاقة ((فلا أقسم بما تبصرون، ومالا تبصرون)) الايتين 38 و39 فهذا الكوكب الأرضي فرغم اتساعه المكاني في وجودنا إلا أنه وهو كذلك لا شيء مقابل ما خلق الله في هذا الكون الشاسع الكبير الذي يتكون من ملايين المجرات البعيدة عنا والنجوم والمنظومات، فقد جاء في بحار الأنوار أن الله سبحانه وتعالى خلق ثمانية عشر ألف عالم ، وعالمنا هذا يعتبر عالما من كل تلك العوالم ، وفي دولة الموعود عليه السلام نكون في ارتباط سراني نوراني مع جميع تلك العوالم الخفية عن أعيننا وإدركاتنا الحسية والمعنوية بفضل شفاعة الإنسان الكامل الحامل لسر بسم الله الرحمان الرحيم الذي بها مفتاح كل شيء وسر ووجود وكون.


دولة الهوية والنور الإلهي


يصف العارف محي الدين بن العربي ض مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام بقوله ((...وعلى السر الإلهي والرائي للحقايق كما هي النور اللاهوتي والإنسان الجبروتي والأصل الملكوتي والعالم الناسوتي مصداق معلم المطلق والشاهد الغيبي المحقق روح الأرواح وحياة الأشباح هندسة الموجود الطيار في المنشئات الوجود كهف النفوس القدسية غوث الأقطاب الإنسية الحجة القاطعة الربانية محقق الحقايق الإمكانية أزل الأبديات وأبد الأزليات الكنز الغيبي والكتاب اللاريبي قرآن المجملات الأحدية وفرقان المفصلات الواحدية إمام الورى بدر الدجى أبي محمد علي بن موسى الرضا عليه السلام)).






فما معنى قول العارف أزل الأبديات وأبد الأزليات الكنز الغيبي والكتاب اللاريبي قرآن المجملات الأحدية وفرقان المفصلات الواحدية إمام الورى بدر الدجى؟






الأبد هو منتهى الدهر وأبدية الأباد هو منتهى الدهور جميعا ، والأزل هو أصل الدهر وأزلية الأزال هو أصل أصوله ، وبين أزلية الأزال وأبدية الأباد تسبح الهوية الإنسانية الإلهية التي فيها جميع النفوس والأشباح والمخلوقات ، فكل حالاتنا الوجودية والكونية والنفسانية هي مأطرة بين أزلية الأزال وأبدية الأباد ولكي نؤكد هذا نفتح نافذة صغيرة على أفلام الخيال العلمي الغربي التي صورت الانسان في مرائي لا تحد ولا تحصى وسمت كل تلك المرائي خيالا علميا حيث صورت الانسان يطير بلا أجنحة وصورته في جزيرة خضراء يركب ألة الزمن العجيبة والكثير من الأمور التي هي مختزنة في ذاكرتنا الوجودية الإنسانية الممتدة من أزلية الأزال إلى أبدية الأباد فهل خلص هذا الانسان الغربي إلى هوية صادقة وخالصة في كل ما أنتجته أفلامه الخيالية هذه ؟ وفي المقابل نجد الإنسان الشرقي الصيني والهندي والياباني ينزل الإله إلى الأرض ويجسده في حجارة محاولا تذكر أصوله الإلهية فيه.


فإذا كان الإنسان الغربي ضائعا في خيالات الإنسان المادية ، والانسان الشرقي ضائعا في حالات الإنسان الروحانية ، فإن الإنسان المسلم يجمع بينهما في منهاج نوراني هو لا شرقي ولا غربي في هوية إنسانية قائمة على العدل والسلام .


فما هو العدل في منهاج أهل البيت عليهم السلام؟


العدل في مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو وضع الشيء في محله، فالإنسان وهو روح ومادة هو كذلك نور وجب على من وصل إلى قمة العرفان ( الحكمة ) أن يتعرف عليه في كل ما خلق الباري من حالات وخيالات وهيئات.


لذا نجد السالكون الغير الولائيون يعبدون أنفسهم من حيث أنهم يعتقدون أنهم يعبدون الله، هذا إذا ما تجاوزنا الحقيقة وقلنا عنهم أنهم سالكون فالسلوك الحقيقي لا يتم إلا بمن يعرفون الحق الحقيق أهل البيت عليهم السلام .


فكيف بمن لا يعرف مولانا علي بن موسى الرضا ((ضامن الهو )) أن يكون في مأمن من الخرافات والوساوس والضلالات المبتدعة في الوجود الخيالي والروحاني للانسان المقهور تحت أسماء الله القهارية؟.


فالإمامة هي قيادة النفس الإنسانية نحو الغيب الإلهي الذي به يكتمل الإنسان في الإبداع الالهي ، فمن لا إمام له لا سلوك له ومن لا سلوك له لا وجود له ومن لا وجود له فهو في العدم الظاهر.


دولة وحدة الوجود


يرى الكثير من الموحدين المسلمين أن نظرية وحدة الوجود ،نظرية مبتدعة تدعو للكفر والشرك بالله من حيث يزعم مدعيها أنهم وصلوا إلى قمة الشهود والوجود والتوحيد .


فعلا فنظرية وحدة الوجود تحتاج إلى تفسير عملي لكي يراها الكل أنها نظرية صحيحة من وجهة نظر العارف الموحد المتحقق، لكن وهي كذلك تبقى نظرية مهزوزة تحتاج إلى براهين ساطعة في عقل المتدين المعتقد بالتنزيه والتوحيد.


فمن وجهة المؤمن المعتقد بالتوحيد والتنزيه يرى أن صاحب نظرية وحدة الوجود يقول -لا أرى إلا الله وكل شيء هو الله- ، وهذا مع صحته التحققية قد لا يراه الفرد المسلم صحيحا، ذلك أن صاحب وحدة الوجود جعل شهوده الجمالي بالله معمما على كل الخلق في حين أن الكثير من الخلق يرى في نفسه و بكل بداهة أنه هو ليس هو الله.


العارف المتحقق بوحدة الشهود والوجود ، مع قوله أن الله هو كل شيء وأنه لا يرى إلا الله فهو يقول أن العاصي المشرك ليس هو الله طبعا ، فكيف يمكننا تفسير ذلك؟


جاء في أول سورة الرحمان (( الرحمان علم القرآن ، خلق الانسان علمه البيان ))، والقرآن هو لسان الوجود كله ، فإذا ما صار الشاهد المؤمن الموالي قرآنا فهل يستطيع أن يرى في الوجود كله إلا الله وهل يرى شيئا بدون الله قائم ؟ فما دام أن هذا الوجود صار هو القرآن وصار هو فيه شاهد على قدرة الباري وعظمته وجماله ،فكيف للعارف المتحقق والحال هذه الهروب من عدم القول بوحدة الوجود؟ فكل العرفاء الذين وصلوا إلى هذه النظرية الفلسفية يصرحون أنها فرضت عليهم في سيرهم السلوكي العروجي إلى رب الأرباب وليست نظرية اعتقادية وحسب، فهذا الحلاج يقول أنا الحق ، وهذا الخميني يقول أنا الحق، وهذا البسطامي يقول (( سبحاني سبحاني ما أعظم شأني )). وللفصل نقول كما جاء في كتاب الفوائد الرضوية (( أما الإيمان الحقيقي فهو الاعتقاد بأنّ الله هو الظاهر الباطن و الشاهد الغائب فهو الظاهر إذا طلبته في البطون، و هو الباطن إذا تفحّصت عنه في الظهور و هو المـُنـزّه عنهما إذا طلبته بكليهما و أنّ العالم ظاهر بالله خفي بذاته، فتعرّف فإنّه باب عظيم للتوحيد )) (شرح حديث رأس الجالوت: 66 - 68 ).


العالم ظاهر بالله يعني هو إسم الله فلا يوجد إلا الله وأسماؤه وصفاته وأفعاله. وهذا مصداق الشهادة الحقيقية (( لا إله إلا الله )) فكل ما خلا الله باطل ، الكل يقول لا اله ، والقليل من يقول إلا الله ، لأن الشخص المؤمن وهو يحيا الحياة وفتنتها لا يستطيع أن يكون موحدا خالصا، فبالتوحيد يصير الموحد في الوحدة وإذا ما صار فيها صار في قولها به.


في دولة المهدي عليه السلام يصير التوحيد في متناول الجميع فيرى الجميع بعين القلب أن الذي يمنعه من الوحدة هو الوهم المعاشي والخوف المستقبلي الدنيوي والأخروي، وهذا ما سوف يدفع الموالون وهم يعيشون في أسرار هذه الدولة العظيمة إلى الوحدة مع الكل وتقاسم الخيرات الوجودية النورانية، في دولة يرجع فيها الكل للنفس الكلية وأسرارها.


دولة وحدة الجنس البشري


يقول سبحانه وتعالى في سورة لقمان مخاطبا كل الناس (( ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير)). لقمان الاية 28


يقول العلامة محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان:


قال تعالى: ((ما خلقكم و لا بعثكم إلا كنفس واحدة)) في الإمكان والتأتي فإنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن و لا يعجزه كثرة و لا يتفاوت بالنسبة إليه الواحد و الجمع، و ذكر الخلق مع البعث للدلالة على عدم الفرق بين البدء و العود من حيث السهولة و الصعوبة بل لا يتصف فعله بالسهولة و الصعوبة.


فكل البشر الموجودين على هذه الأرض خلقوا من نفس واحدة، لذا فمن حافظ منهم على هذه الصورة الأولى في فطرته يلتحق بهذا الركب الإلهي في دورة وجودية يجد فيها الكل نفسه الحقيقية بعيدا عن أي عنصرية مبتدعة أو قومية مستعلية .


فظهور كلمة الله الباقية والأبدية ناموس الله الأكبر غاية البشر كما يصفه العارف الكبير محي الدين بن العربي هو بمثابة ظهور الأمر الإلهي في الخلق والبشرية من أجل حياة بعيدة عن الفهم الساذج المعاشي الذي سيطر على كل البشرية طوال تاريخها المليئ بالصراع والوهم ، لتتطهر كلها من الكبر والحسد وكثرة الكلام الذي هو اصل كل صراع أرضي على وجه أرض البلاء البشرية. فمدينة أفلاطون هي واقع أرضي وليست تصورا سماويا خياليا فكل خيال الإنسان هو واقع وكل واقع هو واقع.


دولة وحدة الأديان والدين الخالص


يقول الله تعالى في سورة آل عمران : (( ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)) ( 19).


الدين واحد غير أن تنزله على أهل الأرض يختلف حسب الظرفية التي وصلت إليها عقلية البشر، فإذا كان إبراهيم عليه السلام وهو أب الديانات الثلاثة السماوية الكبرى ، فلماذا لا تحاول الروحانية الإسلامية والمسيحية النصرانية واليهودية الإسرائيلية الاحتكام إليه؟


إبراهيم عليه السلام هو إنسان مسلم وموسى عليه السلام هو إنسان مسلم وعيسى عليه السلام هو الآخر إنسان مسلم .


فإذا كانت جميع أنبياء الله هم جميعا مسلمون فلماذا أختلف الأتباع؟ بل لماذا حارب بعضهم بعضا؟


الدين في التنزيل هو الإسلام وفي تعاليم الأنبياء والرسل جميعا هو الإسلام لكن وهو في يد المتدينين أصحاب المصالح يكون شيئا آخر .


شريعة موسى عليه السلام انحرفت فصارت يهودية بعدما كانت إسلاما ، النصرانية انحرفت فصارت في يد المتعصبين مسيحية ، الإسلام المحمدي الأصيل انحرف وصار سنة في مقابل الشيعة الذين أرادوا أن يحافظوا على تعاليم الإسلام كما أنزلت فضاعوا هم كذلك في فتنة التعصب، إلا القليل منهم.


في عصر مولانا المهدي عليه السلام الخاتم للهداية السماوية إلى أهل الأرض سيرى المسيحيين في العالم ، يسوع عليه السلام بأم أعينهم يصلي وراء الإمام المهدي عليه السلام في بيت المقدس فتتحقق الوحدة والسلام بين الأمتين ، وترجع طائفة كبيرة من يهود العالم وخصوصا من هم الآن ضد الصهاينة إلى الحوار بعدما كانوا دائما ينصحون اليهود بأن لا يدخلوا الأرض المقدسة، فيصير الكل في حوار مسالم وإنساني وديني مؤمنا بشريعة آخر الانبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيصير الدين لله خالصا بعدما كان للزعماء الروحانيين التجار، فتقول الإنسانية بلسان الحال : (هذا هو الدين الخالص)، أي الذي خلص من التعصب والضلالة.


دولة التوحيد الخالص


ما هو التوحيد ؟


هل هو اعتقاد ديني أو نظرية فلسفية أو طقوس دينية؟


التوحيد هو مطلب كل مخلوق من حيث الوعي والإدراك ومن حيث الجهل ولا مبالاة، فكيف ذلك ؟






إن الذي يخلق التوجه والرغبة والابتهاج واللذة والحركة في كل مخلوق خلقته الإرادة الإلهية في الخلق والوجود هو التوحيد.


فهذا طفل الإنسان يبحث عن ثدي أمه مباشرة بعد الولادة يريد الوحدة مع أمه ، وهذا الشاب اليافع يبحث عن الزواج مريدا الوحدة مع نفسه ، وهذه رياح باردة تبحث عن رياح ساخنة لتشكل المطر. وهذه غمامة سالبة تبحث عن غمامة موجبة لتمطر.


التوحيد هو حالة وجودية صادقة في الحياة كل من دخله يكون في جنة من الوساوس والتسويلات ، لذا جاءت شريعة خاتم الرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتوحيد لتخلص الإنسانية من الشرك وشكر ألهة وهمية صنعتها لهم أهواؤهم المضلة لأن التوحيد المحمدي الأصيل يخلص الإنسان المؤمن من الضياع، من الوهم ، من الفتنة التي تصيب العقول الضعيفة الغير المتأملة في مصير الإنسان فجاءت الأية (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) سورة الأنبياء — 107 ، بعدما جاءت أخرى تؤكد على أن الخلاص الحقيقي هو التوحيد في قوله ((أَجَعَلَ الْآلِهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْء عُجَاب )) سورة ص 5 فالإنسان الذي كانت تتقاسمه عدة آلهة وهمية وجد نفسه في شريعة خاتم الرسل جميعا مع أله واحد قادر عظيم كبير مفسرا كل شيء، ومبينا كل شيء في قرآن جامع لكل سر وعلم ومعرفة وحكمة، فصار بهذه الرحمة الواسعة متعجبا لا يصدق ما صار إليه من الفهم واللذة والتوحد مع مبدأ المبادئ كلها.
فكيف ضاع كل ذلك في حاضرنا هذا؟
ضاع هذا التوحيد المخلًص في وجودنا وفي حاضرنا لأن أتباع الديانات تعصبوا لدينهم فحاربوا الخير كله من حيث أنهم ظنوا انهم يحافظون عليه من وجهة نظرهم ، ولأن أتباع الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم لم يتابعوا النور الذي أنزل مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو العترة النبوية أهل البيت عليهم السلام . في قوله (( أهل بيتي فيكم كسفينة نوح فمن ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق )) . وفي كتاب الله في سورة النور (( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) .(35)


النور إسم إلهي خاص أنزل مع الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم لكي ترجع الإنسانية من حيث كان مبدؤها في نشأتها الأولى فوجود النور في حياتنا ووجودنا هو الخلاص الحقيقي من كل شرك وظلم وضلال ووهم لأن به وحده يكشف عن كل ما خفي عنا.


جاء عن أهل البيت عليهم السلام هذه الرواية ((مَنْ أجابَ عَنِ التَّوْحيدِ بِعِبارَةٍ فَهُوَ مُلْحِدٌ ، وَ مَنْ أشارَ إلَيْهِ بِإشارَةٍ فَهُوَ زِنْديقٌ ، وَ مَنْ أوْمَي‌ إلَيْهِ فَهُوَ عابِدُ وَثَنٍ ، وَ مَنْ نَطَقَ فيهِ فَهُوَ غافِلٌ ، وَ مَنْ سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ جاهِلٌ ، وَ مَنْ وَهَمَ أنَّهُ (إلَيْهِ) واصِلٌ فَلَيْسَ لَهُ حاصِلٌ ، وَ مَنْ ظَنَّ أنَّهُ (مِنْهُ) قَريبٌ فَهُوَ (عَنْهُ) بَعيدٌ ، وَ مَنْ (بِهِ) تَواجَدَ فَهُوَ (لَهُ) فاقِدٌ )).


وجاء أيضا في جواب أمير المؤمنين عليه السلام كميلا في سؤاله عن الحقيقة ؟ ((مَا الْحَقِيقَةُ ؟! قَالَ: مَا لَكَ وَ الْحَقِيقَةَ ؟! قَالَ: أَوَ لَسْتُ صَاحِبَ سِرِّكَ ؟! قَالَ: بَلَي‌ ! وَلَكِنْ يَرْشَحُ عَلَيْكَ مَا يَطْفَحُ مِنِّي‌ ! قَالَ: أَوَ مِثْلُكَ ُيخَيِّبُ سَآئِلاً ؟! قَالَ: الْحَقِيقَةُ كَشْفُ سُبُحَاتِ الْجَلاَلِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ . قَالَ: زِدْنِي‌ فِيهِ بَيَانًا ! قَالَ: مَحْوُ الْمَوْهُومِ مَعَ صَحْوِ الْمَعْلُومِ . قَالَ: زِدْنِي‌ فِيهِ بَيَانًا ! قَالَ: هَتْكُ السِّتْرِ لِغَلَبَةِ السِّرِّ . قَالَ: زِدْنِي‌ فِيهِ بَيَانًا ! قَالَ: جَذْبُ الاْحَدِيَّةِ بِصِفَةِ التَّوْحِيدِ . قَالَ: زِدْنِي‌ فِيهِ بَيَانًا ! قَالَ: نُورٌ يَشْرُقُ مِنْ صُبْحِ الاْزَلِ ، فَتَلُوحُ عَلَي‌ هَيَاكِل التَّوحِيد ءَاثَارُهُ. قَالَ: زِدْنِي‌ فِيهِ بَيَانًا ! قَالَ: أَطْفِ السِّرَاجَ فَقَدْ طَلَعَ الصُّبْحُ ! )).


التوحيد الشهودي هو نور يشرق من صبح الأزل ، ولا سبيل لهذا النور المشرق إلا بمعرفة أهل المعرفة، أهل البيت عليهم السلام حق المعرفة ولا يتم ذلك كله إلا بالدعاء بدعائهم في حضرتهم عليهم السلام .


دولة الصلاة
  الصلاة هي الصلة التي تربط العبد مع رب الأرباب جميعا ، وهي بهذا الاعتبار المعنوي أعظم خير في وجودنا وفي مسيرتنا، فبالصلاة وحدها يكون العبد في صلة مع خالقه وبارئه، فما سر هذه الصلة وما معناها الحقيقي؟


يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لمأذنه بلال رض ((أرحنا بها يا بلال)) ، هنا الصلاة أصبحت في كلام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم راحة ،تلك الراحة التي لا توجد لأي مؤمن في الدنيا حيث جاء في الحديث (( لا راحة لمؤمن في الدنيا )) ، فما السر الذي يجعل الصلاة راحة رغم أنها تقام في الدنيا التي لا راحة لمؤمن فيها؟


الصلاة راحة لأنها ليست هي هذه الدنيا ومصائبها وفتنتها فهي عالم أكبر منها بكثير وهي سر رابط مع مصدركل خير وإلهام وبركة ونور .


فالتعرف على الصلاة هو جهاد كل مؤمن مسلم، فبقدرما نتعرف على الصلاة نتعرف على صاحبها وبقدر معرفة صاحبها نتعرف على مقيمها، ألا وهو الشخص المعصوم في كل زمان.


فهذا الحسين عليه السلام يقيم الصلاة في يوم عاشوراء والنبال تنهال عليه من كل جانب ، وهذا حفيده الخميني رض يقيم الصلاة وهو على فراش الموت ؟


فالمؤمن المقيم للصلاة كما أنزلت وكما وضعت ، فهو في ذلك يقيم دولة المهدي عليه السلام في الأرض دولة العدل والسلام الكوني ، ذلك أن الصلاة هي المعراج الروحاني والمعنوي الذي سوف يوسع روحانيته ليستقبل الخيرات الوجودية والكونية التي بها العبودية لله في العالمين.


الصلاة عالم وحالة وجودية نورانية وضعها الباري للمؤمنين للولوج لسره العالي المستتر بالحجب النورية فهي التي تجعل المؤمن الموالي يقول واعيا ومدركا ((اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ، اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.)) .


بالصلاة وحدها يصير المؤمن الموالي في توافق كلي مع جميع نواميس الكون العابدة ، فتبعث فيه الراحة والطمأنينة والشهود.


بالصلاة وحدها يصير المؤمن الموالي آكلا من كل الكون ومن خيراته المنتشرة فيه .


((واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)) البقرة 45


فالصدق في الصلاة هو الصدق في دولة المهدي عليه السلام .


دولة الحب الذاتي الالهي
يقول مولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام


((الهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا ان تكون لي ربا ، أنت كما أحب ،فاجعلني كما تحب )).


الكل يدعو في مدرسة أهل البيت عليهم السلام بهذه المناجاة العلوية العشقية غير أن الكثير وهم كذلك ما زالوا لم يشهدوا تحققها الفعلي والذوقي في كياناتهم ، فالله محب للسلام والعدل فهل تحقق السلام القائم والعدل القائم يعني هل هو ظاهر للكل ؟


يقول السهروردي المقتول في كتابه هياكل النور: ((يا قيوم، أيِّدنا بالنور، وثبِّتنا على النور، واحشرنا إلى النور)).


هنا السهروردي يدعو الله بإسمه الأعظم الذي هو إمام الزمان القائم صلوات رب العزة عليه لكي يؤيده بنوره ويثبته عليه ويحشره اليه ؟ فما سر ذلك ؟


فالسر في ذلك كون أهل البيت عليهم السلام هم الوسيلة والغاية فكيف ذلك؟ .


الله سبحانه وتعالى يحب ذاته المقدسة وهذه الذات حبها في ذاتها له تعينات في عالمي الخلق والأمر وهذا الحب يتجلى في الإسم الذي خرج منه واليه ( المعصومون جميعا ) وهو الاسم الأعظم في الهوية الغيبية.


إن هذا الحب الذاتي الإلهي يتجلى في الأربعة عشر معصوما الذين هم نور قبل الخلق قبل عالمي الروح والمادة ، حيث جاء في رواية عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبينة ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولاجنة ولانار . فقال العباس كيف كان بدء خلقكم؟ قال ياعم: لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا , تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا,ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح , ونقدسه حين لا تقديس , فلما أراد الله تعالى أن ينشىء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش , فالعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري أفضل من العرش ,ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي وعلي أفضل من الملائكة, ثم فتق نور إبنتي فخلق منه السماوات والأرض من نور إبنتي فاطمة ونور إبنتي فاطمة من نور الله وإبنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض ,ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر, ففتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة وحور العين ,فالجنة وحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين..))


أهل البيت عليهم السلام كانوا قبل الخلق وهم كما كانوا قبله هم باقين بعده يعني نور مجرد عن الصفات البشرية ، فأول صادر عن الذات المقدسة هم هذه الأنوار المقدسة وفي دولة المهدي عليه السلام سوف نحيا معنى المحبة الالهية لهذه الذوات ونحن نعيش في حضرة القائم الفاتح للأسرار الغيبية الإلهية مولانا بقية الله في الأر ضين الحاضر في الأفكار الغائب عن الأبصار المراقب الفاعل بإذن الجبار.


دولة الكرامة


لا يدرك الإنسان عالم الكرامة مادام غارقا في الظنون والأوهام والخرافات والطقوس والعادات والتقاليد والإتباع ؟


الجنة مخلوقة والدنيا مخلوقة والكرامة ليست مخلوقة ، وهي بهذا الاعتبار مطلوبة في توجهنا لرب الأرباب جميعا ، فبدون كرامة لا يمكن لإبن آدم أن يتعرف على حقيقته التي خلق من أجلها وهي وجه رب العالمين ،في قوله (( كل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)) الرحمان الايتين 24 و 25 .


فالمنتظر الحقيقي والمتحقق ، إنما ينتظر في الإمام المهدي عليه السلام وجه الله وباب الله الواسع الهادي لكل فهم إلهي ، فملاقاة هذا الوجه الإلهي هو الكرامة التي أعدت لأبناء آدم في هذه الدورة الوجودية ، فالبشر من آدم متوجهون للمادة ، والإنسان من آدم متوجه إلى النفس والمعنويات والروحانيات ، وآدم متوجه إلى النور ، والنور في دورتنا هذه هو وجه ولي الله الأعظم وهذا الوجه هو الإتجاه الإلهي السليم في منهاجنا الذي هو لا شرقي ولا غربي والذي منبعه وموقده هو شجرة أهل البيت عليهم السلام الغيبية الكونية الوجودية النورانية.


فكرامة بني آدم هي رؤية وجه رب العالمين في وجه وليه الأعظم الإمام المهدي عليه السلام ، والكرامة هنا تعني العناية الكبرى والرحمانية الخاصة .


الخلاصة
يقول العارف حيدر الآملي رض في كتابه جامع الاسرار ومنبع الانوار (أول ما يبدو في قلب العارف ممن يريد الله سعادته نور ، ثم يصير النور ضياء ، ثم يصير شعاعا ، ثم يصير نجوما ، ثم يصير قمرا ثم شمسا.فإذا ظهر النور في القلب بردت الدنيا في قلبه بما فيها ، فإذا صار(النور ) ضياء تركها وفارقها ، فإذا صار نجوما ، فارق لذاتها ومحبوباتها ، فإذا صار قمرا ، زهد في الآخرة وما فيها، وإذا صار شمسا لا يرى الدنيا وما فيها ولا الآخرة وما فيها، ولا يعرف إلا ربه، فيكون جسده نورا، وقلبه نورا، وكلامه نورا، ويكون هو نور على نور) .


إن هذا الكلام يدل على أن المؤمن الموالي الذي يصل إلى درجة العرفان الحقيقي يدخل في الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام جميعا ويصير بها مدركا لحقيقتهم النورانية المتحكمة في كل شيء والقائمة بأمر رب العالمين في كل شيء .


ونختم قولنا هذا بما ختم به العارف المتحقق محي الدين بن العربي واصفا به مولانا الإمام المهدي عليه السلام (( والصلاة والسلام سر السرائر العلية وخفي الأرواح القدسية معراج العقول موصل الأصول قطب رحى الوجود مركز دائرة الشهود كمال النشأة ومنشأ الكمال جمال الجميع ومجمع الجمال الوجود المعلوم والعلم الموجود السائل نحوه الثابت في الابود المحاذي للمرآت المصطفوية والمتحقق بالأسرار المرتضوية والمترشح بأنوار الإلهية والمربي بالأسرار الربوبية الحقايق الوجودية قسام الدقايق الشهودية الاسم الأعظم الإلهي الحاوي للنشأت الغير المتناهي غواص يم الرحمانية مسلك آية الرحمية طور تجلى الألوهية نار شجرة الناسوتية ناموس الله الأكبر غاية البشر أب الوقت مولى الزمان الذي للخلق أمان ناظم مناظم السر والعلن أبي القاسم محمد بن الحسن صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين )).






والسلام عليكم ورحمته وبركاته









 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق