تــأملات في مواقف النفري ض
السيد : يوسف العاملي
يعتبر العارف الإمامي النفري من أبرز عرفاء الأمة الاسلامية الذين وصلوا إلى أقصى درجات اليقين والتسليم ، واستبطنوا عمق هذا الدين التوحيدي بشهود كشفي جعله يترجم للمريدين في دروب النور والمعرفة معارف أصيلة في السير إلى رب الأرباب باسلوب يملؤه الخشوع والرهبة والحكمة والمعرفة الربانية الأصيلة ، فكان النفري ذلك العارف المجهول الهوية الذي سلك في درب خاص وسلك في نور الاختصاص والعناية الفائقة الربانية وهكذا نستعرض بعض مواقفه لنكون فيها واقفين باذن الرب وعارفين بدروبه المستنيرة في مواقف ومخاطبات هذا العارف الالهي المستنير بنور الأطهار عليهم السلام والناطق باسمهم في اسرار المعرفة التي يعجز اللسان عن فهم أغوارها السرانية .
موقف العز
أوقفني في العز وقال لي لا يستقل به من دوني شيء، ولا يصلح من دوني لشيء، وأنا العزيز الذي لا يستطاع مجاورته، ولا ترام مداومته، أظهرت الظاهر وأنا أظهر منه فما يدركني قربه ولا يهتدي إلي وجوده، وأخفيت الباطن وأنا أخفي منه فما يقوم علي دليله ولا يصح إلي سبيله.
وقال لي أنا أقرب إلى كل شيء من معرفته بنفسه فما تجاوزه إلي معرفته، ولا يعرفني أين تعرفت إليه نفسه.
وقال لي لولاي ما أبصرت العيون مناظرها، ولا رجعت الأسماع بمسامعها.
وقال لي لو أبديت لغة العز لخطفت الأفهام خطف المناجل، ودرست المعارف درس الرمال عصفت عليها الرياح العواصف.
وقال لي لو نطق ناطق العز لصمتت نواطق كل وصف، ورجعت إلى العدم مبالغ كل حرف.
وقال لي أين من أعد معارفه للقائي لو أبديت له لسان الجبروت لأنكر ما عرف، ولمار مور السماء يوم تمور موراً.
وقال لي إن لم أشهدك عزي فيما أشهد أقررتك على الذل فيه، وقال لي طائفة أهل السموات وأهل الأرض في ذل الحصر، ولي عبيد لا تسعهم طبقات السماء ولا تقل أفئدتهم جوانب الأرض.
أشهدت مناظر قلوبهم أنوار عزتي فما أتت على شيء إلا أحرقته، فلا لها منظر في السماء فتثبته، ولا مرجع إلى الأرض فتقر فيه.
وقال لي خذ حاجتك التي تجمعك علي وإلا رددتك إليها وفرقتك عني.
وقال لي مع معرفتي لا تحتاج، وما أتت معرفتي فخذ حاجتك.
وقال لي تعرفي الذي أبديته لا يحتمل تعرفي الذي لم أبده.
وقال لي لا أنا التعرف ولا أنا العلم، ولا أنا كالتعرف ولا أنا كالعلم.
يقول مولى العارفين وقبلتهم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (( إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب.
فتمام العبودية هو الوصول إلى معنى الربوبية وأسرارها المتجلية في الفرد والكون والوجود ، في هذا المقام الرفيع يشهد العبد الرب في باطنه يعلمه دروب الحق والحقيقة برموز أهل المعرفة الحقة، فينطق بها بإذن الرب ويترجمها بإذن الشفاعة المحتضنة له في ذلك التجلي الخاص .
فالعبد في هذا المقام ظاهره عبودية وباطنه ربوبية وله وجهان وجه للخلق ووجه للرب.
فالوجه المتوجه لرب الأرباب يشهد الأسرار والوجه المتوجه للخلق يشهد تجليات تلك الأسرار في الخلق ومشيئته المتصرفة في مصائر الموجودات ويكون هذا العبد هو الشاهد والمشهود وهو العارف والمعروف وهو الحق والحقيقة، لذا نرى العارف النفري يكلم السالكين بهذا اللسان الشاهد للحقيقة في غيبها وفي تجلياتها في عالم الشهود بأسلوب رمزي يجعل السالك يرى الحكمة السرمدية العابرة لعالمنا في الدعاء المنقول إلينا عبر مدرسة أهل البيت عليهم السلام (( اللهم أرني الأشياء على حقيقتها )).
فلا الظاهر يغلب الباطن ولا الباطن يغلب الظاهر هناك حكمة إلهية متصرفة في كل شيء ومن شهد تلك الحكمة فهو ناطق بأسرارها بشفاعة الأطهار عليهم السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق